Image Not Found

التعاون السياحي بين السلطنة وسوريا

حيدر بن عبدالرضا اللواتي – عُمان

شهدت سوريا خلال الفترة الماضية حركة سياحية نشطة بالرغم من قلة عدد الخطوط الجوية التي تصل إلى مطار دمشق الدولي يوميا، فيما بدأت المراكز والمؤسسات السياحية الدينية والترفيهية بدمشق في استقبال المزيد من الزوار الذين يأتون عبر هذه المطار بصورة مباشرة أو من خلال مطار بيروت الدولي. ففي الآونة الأخيرة تمكنتُ من زيارة سوريا مرتين الأولى ضمن الوفد التجاري العماني لغرفة تجارة وصناعة عمان للمشاركة في افتتاح فعاليات معرض دمشق الدولي في دورته الـ61 الذي نجح في استقطاب بعض الدول العربية بجانب الدول الإسلامية والأجنبية، فيما كانت الزيارة الثانية مع العائلة بقصد السياحة الدينية والترفيهية تمكنا خلالها من زيارة بعض المصايف الجميلة كالزبداني وبلودان والأماكن الدينية والتاريخية والسياحية والأسواق التقليدية.

وخلال زيارة الوفد التجاري العماني نظمتْ الحكومة السورية عددا من اللقاءات مع الوزراء والمسؤولين السوريين من بينهم معالي محمد رامي رضوان مرتيني وزير السياحة السوري الذي أعرب عن شكره للعمانيين على تلبية الدعوة لحضور فعاليات معرض دمشق الدولي الأخير بهدف تعزيز العلاقات التجارية والسياحية بين البلدين. وخلال هذه الزيارة استمعنا منه لعبارات الثناء على عمق العلاقات السياسية والاقتصادية والسياحية بين سوريا والسلطنة. وفهمنا من خلال حديثه بأن الاتصالات مع الحكومة العمانية لم تنقطع في جميع الحالات، سواء أثناء الحرب على سوريا أو لاحقا، وهذه الأمور تعزى – كما قال الوزير- إلى حكمة السلطنة ووقوفها ومحاولاتها في تقريب وجهات النظر في هذه الأزمة التي نعمل على السيطرة عليها، في الوقت الذي تكنّ فيه دمشق نظرة تقدير خاص للسلطنة ولحضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم –حفظه الله ورعاه – من قبل فخامة الرئيس بشار الأسد .

حديث معالي الوزير تطرق أيضا إلى العديد من القضايا السياحية التي تهم البلدين، خاصة وأن الموسم السياحي الحالي بسوريا كان «أكثر من ممتاز» على حد تعبير الوزير، حيث شهد وصول المجموعات السياحية العربية والأجنبية، فيما بدأ القطاع السياحي بسوريا يعيد نشاطه وعافيته مرة أخرى، الأمر الذي يعطي فرصة كبيرة للسوريين الباحثين عن العمل للدخول في هذا القطاع من مختلف الأعمار، وخاصة في فترات المناسبات الدينية والاجتماعية التي تقام بدمشق وخارجها.

كما تطرق وزير السياحة السوري في حديثه إلى التطورات التي شهدتها سوريا على المستوى العسكري والسياسي والاقتصادي، وخاصة في القطاع السياحي. ومن حيث العلاقات السياحية فان سوريا ترتبط مع السلطنة باتفاقية تم توقيعها عام 2002، والتي تعتبر الأولى من نوعها في المجال السياحي، فيما يرى الوزير بأن السوريين مثل العمانيين، حيث يشهد لهم التاريخ بأن الشعبين وصلا إلى أقاصي دول العالم وفي عدة قارات، وتركا بصمات تاريخية في تلك الأماكن. والتطور الذي شهدته السلطنة كان موضع إشادة من قبل السوريين خاصة أولئك الذين يصلون عمان لأول مرة ويتفاجأون بالبنية التحتية التي تتميز بها السلطنة في عهد حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ، حفظه الله ورعاه ، على حد وصف الوزير، فيما يأمل الكل بتعزيز التعاون مع السلطنة لتبادل الزيارات السياحية مستقبلا وزيادة التسهيلات وتشجيع الاستثمارات المشتركة.
لقد وضعت سوريا خطة جديدة للاستثمار كما أوضح الوزير بهذا الشأن، وأن لدى الحكومة السورية خطة للاستثمار السياحي منها توفير 23 فرصة سياحية للعرب والأجانب في مختلف المشاريع الاستثمارية، بجانب تخصيص 30 فرصة للقطاع الخاص السوري، ناهيك عن الفرص الأخرى في المجالات الصناعية، حيث هناك رغبة من المستثمرين السوريين لضخ استثماراتهم في تلك المشاريع بالتعاون مع الاستثمار الأجنبي. وهذا الأمر يدعو المستثمرين العرب والأجانب للدخول في بعض المشاريع السياحية، خاصة تلك التي لم يتمكن السوريون من إكمالها، وتعثرهم في الاستمرار بها نتيجة للحرب في السنوات القليلة الماضية، حيث يرغب أصحاب هذه المشاريع اليوم بتعزيز أعمالهم من خلال الاستثمار المشترك، الأمر الذي يشكّل فرصة جيدة للاستثمار في هذا الجانب. وفي هذا الشأن ترحب سوريا وتشجع الاستثمار المشترك في القطاعات السياحية التي يتم التخطيط لها بمشاركة عربية وأجنبية، فيما هناك اليوم تسهيلات جديدة في هذا القطاع، حيث تعمل الحكومة السورية على تحديث التشريعات والقوانين التي تهم هذه الجوانب وإصدار قانون الاستثمار الجديد لحفظ حقوق جميع المستثمرين من خلال الاتفاقيات التي سيتم التوقيع عليها. كما تعمل الحكومة السورية على عقد أنشطة ومؤتمرات سياحية خلال الفترات المقبلة لتعريف المستثمرين بالإمكانات السياحية التي تود استغلالها.

السياحة إلى سوريا مستمرة، حيث إن المسؤولين في سوريا يرحبون بالزوار والسياح القادمين من دول الخليج لزيارة دمشق والمدن السورية الأخرى متى شاءوا. كما يرحبون بإيجاد مزيد من التعاون مع العمانيين في مجال الطيران والسياحة، وفي مجال تشغيل المؤسسات السياحية العمانية، وفي قطاع التدريب والضيافة، وفي هذا الشأن هناك عدة تجارب لسوريا في هذا القطاع من خلال عملها مع اليونسكو وUNDP وغيرها من المؤسسات الدولية الأخرى، حيث تمكنت خلال السنوات الماضية من تدريب وتأهيل آلاف من الشباب السوري في القطاع السياحي وفي تخصصات عديدة، كما أدخلت عدة لغات أجنبية في قطاع الضيافة والسياحة بشكل عام. ومن هذا المنطلق تدعو الجهات السياحية السورية المؤسسات العمانية للاستفادة من الافكار النيرة في القطاع السياحي، خاصة في مجال تطوير سياحة الجبال والشواطئ التي أدخلت في القطاع السياحي السوري، والتي تتميز بها السلطنة أيضا في جغرافيتها وبيئتها. كما تعمل سوريا اليوم بأسماء تجارية محلية في المؤسسات التي تديرها من الفنادق الراقية بدلاً من الأسماء الأجنبية، فيما تقوم الحكومة بتطوير بعض النزل القديمة إلى مؤسسات سياحية حديثة، بالاضافة إلى تحويل بعض الفنادق إلى فنادق تراثية.

وفيما يتعلق بالمعلومات السياحية فان وزارة السياحة السورية تطلب من الإعلاميين ضرورة الدقة في هذا الأمر من حيث عدد القادمين العرب والأجانب إلى سوريا من واقع الإحصاءات الرسمية، وتشير الإحصاءات المتوفرة، على سبيل المثال، بأن عدد العمانيين الذين زاروا سوريا في عام 2018 بلغ 583 زائرا مقابل 4574 زائرا في عام 2010 وتراجع إلى 788 زائرا في عام 2011 أي عند بدء الحرب، فيما يقوم طيران أجنحة الشام برحلات مباشرة بين دمشق ومسقط في فترات معينة في السنة وبواقع 3 رحلات أسبوعيا، ويأمل السوريون بأن يتمكن الزائر والسائح العماني والخليجي بالوصول إلى سوريا عبر هذا الخط وغيرها من الخطوط الأخرى، والعمل على فتح مجال أكبر للطيران بين البلدين، حيث هناك طلب من قبل بعض الزوار في دول آسيوية للوصول إلى دمشق خاصة في المناسبات الدينية، الأمر الذي يمكن للطيران العماني أن يتكفل بنقلهم إلى مطار مسقط الدولي ومن ثم على أجنحة الشام إلى دمشق.

لقد عززت زيارة الوفد التجاري العماني إلى سوريا مؤخرا العلاقات بين البلدين، كما أن هذه الزيارة تعتبر استكمالا للزيارات السابقة، في الوقت ذاته أتيح لعدد من الصحفيين والإعلاميين العمانيين زيارة سوريا وحضور افتتاح فعاليات معرض دمشق الدولي لعام 2019، وزيارة بعض المحافظات السورية للوقوف على التطورات السياحية الإيجابية التي بدأت تجنيها سوريا في الآونة الأخيرة.